ممكن تحسوا و انتوا بتقروا القصة دي انها قصة زي عشرات القصص الي بتقروها على عشرات المنتديات
و ممكن تشكوا إنها تأليفه لأن صعب انها تتحقق بتفاصيلها دي في الحقيقة
لكني أقسم ليكوا انها حقيقية و كل تفصيلة فيها حصلت أمامي و لا مجال للتشكيك فيها
بدأت "هـ" حياتها في بيت مصري تقليدي و أسرة متوسطة كآلاف الأسر في كافة أنحاء مصر ..و جاءت إلى الحياة بعد أخ و أخت و جاء بعدها أخ و أخت ..و كعادة الطفل الأوسط في أي أسرة ,كانت تعيش داخل عالم خاص بها ,فأكثر الإهتمام داخل الأسرة يوجه للأخ الكبير و الأخت الصغيرة
و أمضت "هـ"طفولتها و شبابها في الظل ..في هدوء..لايكاد يشعر بها أفراد أسرتها..لاتفتعل المشاكل و لا تحمل مشاكلها لأحد..تعتمد على نفسها ..في لعبها .في دراستها و تحتفظ بتفاصيل حياتها لنفسها ..فكل أخ و أخت منشغل في تفاصيل حياته و يكفي الأم و الأب عبء تربية 5 أبناء دون الدخول إلى تفاصيل أحاسيسهم و مشاعرهم ..يكفيهم أنه لم يأتي يوم بات فيه الأبناء بدون عشاء ..و لم يمر عيد دون أن يفرح الأبناء بثياب جديدة و إن لم يتيسر الجديد في كل عيد كانت إحدى النزهات العائلية كفيلة بأن تبيت الأبناء و البنات في سعادة في يوم عيدهم
شبت "هـ" و صارت فتاة تنتظر فارسها ليأخذها إلى عالمه الخاص و تأخذه إلى عالمها الخاص الذي لايدري أحد عنه شيئا..إنتظرت الحب و العاطفة و لكن جاء الزواج تقليديا ..زواج صالونات كما يقولون ..لكنها لما وجدت في شريك حياتها طيب الأخلاق و حسن العشرة قنعت بحياتها و إستمرت في تأسيس أسرتها الصغيرة حتى منّ الله عليها بطفلة أغدقت عليها حبها و حنانها و بعدها بأكثر من عام جاءت البشائر بقروب انضمام طفل جديد للعائلة..فرحت "هـ" بتحقق حلمها الوحيد في تكوين أسرة صغيرة وبث أطفالها الحب و الحنان الذين لم تنالهما في طفولتها..إلا أن "هـ "إستشعرت بعض التعب في حملها الثاني و ساورها القلق ..وحين ذهبت لإستشارة الطبيب كانت المفاجأة ..تعاني "هـ" من روماتيزم بالقلب و الحمل يهدد حياتها..تذكرت "هـ" حين كانت صغيرة و أصابها المرض الشديد سألت امها أبوها إن كان يجب عليهم إحضار طبيب للصغيرة المحتقنة بالحمى ..فأشار الأب على الأم بالكمادات الباردة مع أقراص خافضة للحرارة و مش عاوزين وجع دماغ..أطرقت "هت" برأسها في إستسلام للأمر الواقع و قضاء الله و هزتها رفضا لإقتراح الطبيب بإجهاض حملها خوفا على حياتها
و إحتملت "هـ"آلام الحمل و الولادة و جاء للدنيا صبي صغير أكملت به أسرتها الصغيرة و أكملت رسالتها معه و أخته حتى أخرجتهما شاب و شابة متحملان للمسؤلية حسنا الخلاق متفوقان في دراستهما
و بعد أداء رسالتها تجاه أولادها ..و بعد توفيرها لمبلغ صغير عن طريق التوفير و الإقتصاد..جاء الوقت المناسب لما كانت "هـ" تحن و تشتاق إليه ..أداء فريضة الحج و زيارة الرسول "ص"..و لأن المبلغ الذي وفرته قد لايكفي الحج السياحي ..تقدمت باوراقها كآلاف الناس إلى "القرعة" السنوية ..و انتظرت على أمل أن يبعث لها الله دعوته فتجيبها ملبية ..ولكن ظهرت النتيجة و لم تكن من المحظوظين..حزنت "هـ" و لكنها لم تفقد الأمل ..قدمت في "قرعة"أخرى في محل عملها و ظهرت النتيجة ..و للمرة الثانية لم تكن من المحظوظات..انتظرت للعام التالي ..و النتيجة هي هي..و في العام الثالث ..لم تتغير النتيجة كثيرا ..ظهرت نتيجة "قرعة" وزارة الداخلية و للعام الثالث على التوالي ..ذهبت "هـ" للبحث عن إسمها في كشوف المحظوظين ..و لكن حزنها استمر..فإسمها مازال يخاصم كشوف المحظوظين بأداء الفريضة و زيارة الرسول...ليلتها كانت تحدث إحدى قريباتها على الهاتف و راحت تشكوا لها حزنها ..فردت عليها القريبة..أظن أنه بات واضحا أن الله لا يريد زيارتك .فقط من يحمل نفسا طيبة و روحا صافية هو من يدعوه الله لزيارته و من الواضح انك لست من هؤلاء
و لم تحتمل "هـ" ألا تكون من هؤلاء كما تقول قريبتها و انفجرت في البكاء و هي التي لم تبكي في حياتها إلا مرات تعد على أصابع اليد الواحدة و غرقت في حزن عميق لم تستطع الأكل و لا الشرب ولا النوم
قضت ليلتها كاملة في الصلاة و الدعاء إلى الله و سؤاله ..لم يكن يتردد على لسانها إلا سؤال واحد
لماذا لا تريدني يا رب ..لماذا لا تريد أن تتقبلني ..أنت أعلم بأني لم أسئ لأحد في حياتي ..اللهم إني لاأعترض..إقبلني يا رب ..أدعني يا رب
و باتت ليلتها على سجادة الصلاة بين الدموع و الدعاءو حين أتى الغد ..أتت معه المفاجأه
إنها القرعة التي يجريها محل عملها ..لقد أجروها أربع مرات..و في كل مرة يعتذر الشخص الذي وقعت عليه القرعة ..فهذا لا يستطيع أن يترك أمه المريضة و ذاك يفضل الإنتظار حتى يذهب هو و زوجته ..و هذه اعتذرت لظروف صحية و تلك لا تريد ترك إبنها الطالب في الثانوية العامة دون متابعة
و جاء الخبر ل"هـ" في اليوم التالي لسهرتها و دعاءها إلى الله..لقد دعاها الله و تقبل دعاءها و عليها فقط تلبية الدعوة
و ذهبت "هـ"إلى أرض الحج الطاهرة ..و كعادتها في حب مساعدة الآخرين كانت تقوم -و هي المريضة بالقلب- على مساعدة زميلاتها الكبيرات في السن ...علمت إحدى الحاجات التي لم تكن تعرف القراءة و الكتابة كيف تحفظ بعض صور القرآن لتتعبد بها
و أخذت على عاتقها مساعدة إحداهم في قول أدعية الطواف حين أخذتها في يدها و كانت تقرأ لها الدعاء لتردده من وراءها
و بعد أن أتمت الحج و عادت كالصفحة البيضاء ..آن الأوان لزيارة مدينة الرسول..و بمجرد أن وضعت قدمها على أرض المدينة الطاهرة ..أحست بانها وطنها الذي كانت تبحث عنه
و بعد قضاء عدة أيام في زيارة المدينة الطاهرة حان موعد الرحيل..أعدت"هـ" حقائبها و كتبت على كل هدية إسم صاحبها و توضأت و إستعدت للنزول للصلاة في مسجد الرسول و لكنها شعرت ببعض التعب فقررت الصلاة في الفندق حتى تشعر بالتحسن و تنزل لتصلي في المسجد آخر صلاة قبل مغادرة المدينة المنورة
إلا أن الله أبى إلا أن يكون مستقرها في المدينة الطاهرة التي أحست بأنها وطنها الذي تبحث عنه..شعرت ببعض التعب و اتصلت زميلاتها في الحجرة بالمسعفين نزلت معهم على قدميها و دخلت عربة الإسعاف و لكنها خرجت منها إلى المستشفى التي فاضت فيها روحها و رجعت إلى بارئها
وافتها المنية في هدوء كما عاشت حياتها في هدوء..لم تشغل أحدا بحياتها و هي حية ..و لم تتعب أحد ا في أية تجهيزات حين قرر الله أن يختارها
و حين جاء ميعاد مواراتها التراب..اختار لها الله أطهر مكان على وجه الأرض..فهل يوجد أطهر من البقيع؟؟
و هل يوجد أشرف من جوار الرسول و صحابته و أزواجه؟
حين قالوا لها إن الله لا يريدك لم يكونوا يتخيلون أن الله سيختار لها أفضل خاتمة..حاجّة..مصلية..متوضئة..و في جوار الرسول
عاصرت القصة و عايشتها..فهي قصة أمي...التي توفاها الله في موسم الحج منذ أربعة سنوات..في هذه الأيام حين يوجه كل شخص تحية لأمه ..و يقول لها ..كل عام و أنت بخير..لا يسعني إلا أن أقول..رحمك الله يا أمي..رزقنا الله حسن خاتمتك